سورة القيامة - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القيامة)


        


{لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} أي أقسم. عن ابن عباس: و(لا) كقوله {لّئَلاَّ يَعْلَمَ} [الحديد: 29] وقوله:
في بئر لا حور سرى وما شعر ***
وكقوله:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة *** وكاد ضمير القلب لا يتقطع
وعليه الجمهور وعن الفراء: (لا) رد لإنكار المشركين البعث كأنه قيل: ليس الأمر كما تزعمون ثم قيل: أقسم بيوم القيامة. وقيل: أصله لأقسم كقراءة ابن كثير على أن اللام للابتداء و{أُقْسِمُ} خبر مبتدأ محذوف أي لأنا أقسم ويقويه أنه في (الإمام) بغير الألف ثم أشبع فظهر من الإشباع ألف، وهذا اللام يصحبه نون التأكيد في الأغلب وقد يفارقه {وَلاَ أُقْسِمُ بالنفس اللوامة} الجمهور على أنه قسم آخر. وعن الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة فهي صفة ذم وعلى القسم صفة مدح أي النفس المتقية التي تلوم على التقصير في التقوى وقيل: هي نفس آدم لم تزل تلوم على فعلها التي خرجت به من الجنة، وجواب القسم محذوف أي لتبعثن دليله {أَيَحْسَبُ الإنسان} أي الكافر المنكر للبعث {أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} بعد تفرقها ورجوعها رفاتاً مختلطاً بالتراب.
{بلى} أوجبت ما بعد النفي أي بلى نجمعها {قادرين} حال من الضمير في {نَّجْمَعَ} أي نجمعها قادرين على جمعها وإعادتها كما كانت {على أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ} أصابعه كما كانت في الدنيا بلا نقصان وتفاوت مع صغرها فكيف بكبار العظام. {بَلْ يُرِيدُ الإنسان} عطف على {أَيَحْسَبُ} فيجوز أن يكون مثله استفهاماً {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان {يَسْئَلُ أَيَّانَ} متى {يَوْمُ القيامة} سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة {فَإِذَا بَرِقَ البصر} تحير فزعاً وبفتح الراء: مدني شَخَصَ {وَخَسَفَ القمر} وذهب ضوؤه أو غاب من قوله {فَخَسَفْنَا بِهِ} [القصص: 81] وقرأ أبو حيوة بضم الخاء {وَجُمِعَ الشمس والقمر} أي جمع بينهما في الطلوع من المغرب أو جمعاً في ذهاب الضوء ويجمعان فيقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى {يَقُولُ الإنسان} الكافر {يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر} هو مصدر أي الفرار من النار أو المؤمن أيضاً من الهول. وقرأ الحسن بكسر الفاء وهو يحتمل المكان والمصدر {كَلاَّ} ردع عن طلب المفر {لاَ وَزَرَ} لا ملجأ {إلى رَبِّكَ} خاصة {يَوْمَئِذٍ المستقر} مستقر العباد أو موضع قرارهم من جنة أو نار مفوّض ذلك لمشيئته، من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار.
{يُنَبَّؤُاْ الإنسان يَوْمَئِذٍ} يخبر {بِمَا قَدَّمَ} من عمل عمله {وَأَخَّرَ} ما لم يعمله.
{بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} شاهد.
والهاء للمبالغة كعلامة أو أنثه لأنه أراد به جوارحه إذ جوارحه تشهد عليه، أو هو حجة على نفسه والبصيرة الحجة قال الله تعالى: {قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} [الأنعام: 104] وتقول لغيرك أنت حجة على نفسك. و{بَصِيرَةٌ} رفع بالابتداء وخبره {على نَفْسِهِ} تقدم عليه والجملة خبر الإنسان كقولك: زيد على رأسه عمامة. والبصيرة على هذا يجوز أن يكون الملك الموكل عليه {وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ} أرخى ستوره والمعذار الستر. وقيل: ولو جاء بكل معذرة ما قبلت منه فعليه من يكذب عذره. والمعاذير ليس بجمع معذرة لأن جمعها معاذر بل هي اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ} بالقرآن {لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} بالقرآن. وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ في القرآن قبل فراغ جبريل كراهة أن يتفلت منه فقيل له: لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ لتأخذه على عجلة، ولئلا يتفلت منك. ثم علل النهي عن العجلة بقوله {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في صدرك {وَقُرْءَانَهُ} وإثبات قراءته في لسانك، والقرآن القراءة ونحوه {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] {فَإِذَا قرأناه} أي قرأه عليك جبريل فجعل قراءة جبريل قراءته {فاتبع قُرْءَانَهُ} أي قراءته عليك {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} إذا أشكل عليك شيء من معانيه.


{كَلاَّ} ردع عن إنكار البعث أو ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن العجلة وإنكار لها عليه، وأكده بقوله {بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة} كأنه قيل: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة الدنيا وشهواتها {وَتَذَرُونَ الآخرة} الدار الآخرة ونعيمها فلا تعملون لها والقراءة فيهما بالتاء: مدني وكوفي {وُجُوهٌ} هي وجوه المؤمنين {يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} حسنة ناعمة {إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وحمل النظر على الانتظار لأمر ربها أو لثوابه لا يصح لأنه يقال: نظرت فيه أي تفكرت، ونظرته انتظرته، ولا يعدى ب (إلى) إلا بمعنى الرؤية مع أنه لا يليق الانتظار في دار القرار {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} كالحة شديدة العبوسة وهي وجوه الكفار {تَظُنُّ} تتوقع {أَن يُفْعَلَ بِهَا} فعل هو في شدته {فَاقِرَةٌ} داهية تقصم فقار الظهر {كَلاَّ} ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين {إِذَا بَلَغَتِ} أي الروح وجاز وإن لم يجر لها ذكر لأن الآية تدل عليها {التراقى} العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} يقف حفص على {مَنْ} وقيفة أي قال حاضر والمحتضر بعضهم لبعض أيكم يرقيه مما به من الرقية من حد ضرب، أو هو من كلام الملائكة: أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب من الرقي من حد علم.
{وَظَنَّ} أيقن المحتضر {أَنَّهُ الفراق} أن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة {والتفت الساق بالساق} التوت ساقاه عند موته. وعن سعيد بن المسيب: هما ساقاه حين تلفان في أكفانه. وقيل: شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هما همّان: همّ الأهل والولد وهمّ القدوم على الواحد الصمد {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} هو مصدر ساقه أي مساق العباد إلى حيث أمر الله إما إلى الجنة أو إلى النار {فَلاَ صَدَّقَ} بالرسول والقرآن {وَلاَ صلى} الإنسان في قوله: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَنْ نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3] {ولكن كَذَّبَ} بالقرآن {وتولى} عن الإيمان أو فلا صدق ماله يعني فلا زكاه {ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى} يتبختر وأصله يتمطط أي يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه فأبدلت الطاء ياء لاجتماع ثلاثة أحرف متماثلة.
{أولى لَكَ} بمعنى ويل لك وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره {فأولى * ثُمَّ أولى لَكَ فأولى} كرر للتأكيد كأنه قال: ويل لك فويل لك ثم ويل لك فويل لك.
وقيل: ويل لك يوم الموت، وويل لك في القبر، وويل لك حين البعث، وويل لك في النار. {أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى} أيحسب الكافر أن يترك مهملاً لا يؤمر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازى؟ {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىٍّ يمنى} بالياء: ابن عامر وحفص أي يراق المني في الرحم، وبالتاء يعود إلى النطفة {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} أي صار المني قطعة دم جامد بعد أربعين يوماً {فَخَلَقَ فسوى} فخلق الله منه بشراً سوياً {فَجَعَلَ مِنْهُ} من الإنسان {الزوجين الذكر والأنثى} أي من المني الصنفين {أَلَيْسَ ذَلِكَ بقادر على أَن يُحْيِىَ الموتى} أليس الفعّال لهذه الأشياء بقادر على الإعادة؟ وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأها يقول: «سبحانك بلى» والله أعلم.